حوكمة الذكاء الاصطناعي- رؤية الصين لتعاون عالمي شامل ومنفعة متبادلة

المؤلف: تساو شياو لين08.19.2025
حوكمة الذكاء الاصطناعي- رؤية الصين لتعاون عالمي شامل ومنفعة متبادلة

يمثل الذكاء الاصطناعي حقبة جديدة من الازدهار والتقدم البشري، وقوة محركة لا يستهان بها لجولة مبتكرة من الثورة التكنولوجية والتحولات الصناعية الجذرية، فضلاً عن إمكانية تحوله إلى منفعة عالمية شاملة تعود بالخير العميم والنفع الجم على كافة البشر.

وفي المقابل، تثير التحديات الجمة والمخاطر المحتملة التي ينطوي عليها الذكاء الاصطناعي اهتمامًا متزايدًا وقلقًا بالغًا، حيث يتبلور سؤال جوهري وملح حول كيفية تحقيق التوازن الدقيق بين التطور التكنولوجي المنشود والأمن الشامل، وهو ما يمثل معضلة عالمية مشتركة تتطلب تضافر الجهود وتوحيد الرؤى لمواجهتها.

في سياق متصل، أطلق مؤتمر الذكاء الاصطناعي العالمي لعام 2025 والاجتماع الرفيع المستوى المعني بالحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي "خطة عمل متكاملة للحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي"، والتي تضمنت ستة مبادئ أساسية ترتكز عليها:

  1. التركيز على تحقيق الخير العام وخدمة مصالح الشعوب قاطبة.
  2. الاحترام الكامل للسيادة الوطنية للدول.
  3. التوجه نحو تحقيق التنمية المستدامة والازدهار الشامل.
  4. الاعتماد على آليات التحكم الآمن والفعال للحد من المخاطر.
  5. التأكيد على الإنصاف والشمول في توزيع المنافع والفرص.
  6. تبني سياسة الانفتاح والتعاون البناء بين مختلف الأطراف.

وإلى جانب هذه المبادئ المحورية، تتضمن الخطة ثلاثة عشر إجراءً عمليًا قابلة للتنفيذ، تشمل تعزيز التعاون الدولي المثمر في بناء القدرات التقنية والبشرية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأسيس نموذج حوكمة شامل يتيح مشاركة واسعة ومنصفة لجميع الأطراف المعنية، بهدف حشد التوافق الدولي اللازم لتطوير وحوكمة الذكاء الاصطناعي على نطاق عالمي، وضخ زخم قوي ومستدام في هذا المسعى الحيوي.

في الوقت الراهن، تواجه الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي سلسلة من التحديات المعقدة والعقبات الجسيمة:

  • أولاً، مشكلة الفجوة الرقمية المتفاقمة. حيث تعاني العديد من الدول والمناطق من قصور حاد في البنية التحتية الرقمية الأساسية، ونقص في برامج التدريب المتخصصة لتنمية المهارات الرقمية، وندرة الموارد الرقمية المتاحة. وتشير الإحصائيات إلى أنه حتى نهاية عام 2024، لا يزال هناك ما يقرب من 2.6 مليار شخص حول العالم محرومين من الاتصال بشبكة الإنترنت. وإذا لم يتم تدارك هذه الفجوة الرقمية ومعالجتها بشكل عاجل وفوري، فسوف تتسع الفجوة التنموية الشاسعة بين دول الشمال المتقدم ودول الجنوب النامية، مما سيؤدي إلى تقويض إمكانات النمو الاقتصادي العالمي على نطاق واسع.
  • ثانياً، غياب صوت وتمثيل دول الجنوب العالمي في المحافل الدولية المعنية بالذكاء الاصطناعي. فوفقًا لآخر تقرير صادر عن الأمم المتحدة، يوجد حاليًا أكثر من 60 إطارًا عالميًا لحوكمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن أقل من خُمس هذه الأطر صادر عن دول الجنوب العالمي. وعلاوة على ذلك، غالبًا ما تعكس الأنظمة والقواعد الحالية الهيمنة التقنية وسعي الدول المتقدمة لتحقيق مصالحها الخاصة، دون مراعاة كافية لشواغل واهتمامات دول الجنوب العالمي، مما يجعل هذه الدول تفتقر إلى التمثيل الكافي والمشاركة الفعالة في صياغة مستقبل الذكاء الاصطناعي.

في هذا السياق، أطلقت الصين "خطة عمل طموحة للحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي"، ودعت إلى إنشاء منظمة دولية متخصصة للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يمثل خطوة هامة نحو تعزيز التعددية ودفع عجلة الحوكمة العالمية من خلال التشاور والتشارك وتحقيق المنافع المتبادلة لجميع الأطراف. كما يجسد هذا الإجراء استجابة عملية لأصوات دول الجنوب العالمي ومساهمة فعالة في سد الفجوة الرقمية والذكائية الآخذة في الاتساع.

وبخلاف المبادرات الانعزالية والإقصائية التي طرحتها بعض الدول، تستند "خطة عمل الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي" التي تقودها الصين إلى أركان جوهرية تتمثل في التنمية العادلة والمتوازنة، والتعاون المنفتح والبناء، والحوكمة الفعالة والرشيدة. وتدعو الخطة إلى بناء نظام حوكمة شامل ومنفتح للذكاء الاصطناعي، وتوفير منصة رحبة لتعميق التعاون الدولي في هذا المجال الحيوي، ودفع تطوير الذكاء الاصطناعي نحو تحقيق الخير العام والمنفعة الشاملة للجميع على قدم المساواة.

في السنوات الأخيرة، حققت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الصينية طفرات متلاحقة وإنجازات مبهرة، وساهمت بقوة كبيرة في تعزيز نمو الاقتصاد الذكي العالمي.

ووفقًا لإحصاءات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2023، سجلت الصين أكثر من 38 ألف براءة اختراع في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، لتتصدر بذلك دول العالم في هذا المجال المبتكر.

ومن صعود تقنية "هواوي أسيند" (Huawei Ascend) متحدية كافة الصعاب، إلى الاختراق المذهل لـ "ديب سيك" (DeepSeek)، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتنوعة على طول "الحزام والطريق"، أصبحت الصين بفضل قدرتها التكنولوجية المتطورة وسيناريوهات التطبيق الواسعة محركًا أساسيًا لتطوير الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي.

في عصر الذكاء الاصطناعي، تتقدم دول العالم جنبًا إلى جنب في مسيرة مشتركة نحو التقدم والازدهار. وكما أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ في مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون العربي الصيني، فإن الصين حريصة على تعزيز التعاون مع الدول العربية الشقيقة في مجال الذكاء الاصطناعي، والعمل سويًا على تعزيز دور الذكاء الاصطناعي في دعم وتمكين الاقتصاد الحقيقي، والدفع بتكوين نظام حوكمة عالمية للذكاء الاصطناعي يقوم على التوافقات واسعة النطاق.

وفي خضم تيار التحول الرقمي العالمي المتسارع، يحرص الجانب الصيني على تقاسم الفرص المتاحة والتشاور المستمر حول آفاق التعاون المثمر مع دولة قطر وغيرها من الدول الشقيقة والصديقة، للمضي قدمًا نحو مستقبل مشرق ومزدهر في عصر الذكاء الاصطناعي.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة